للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي ضمن هذا بشارتهم بأنهم منصورون، ومفتوح لهم، وأن تلك القرية لهم، فأبوا طاعته وامتثال أمره، وقابلوا هذا الأمر والبشارة بقولهم: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: ٢٤].

وتأمَّلْ تَلَطُّف نبيّ الله تعالى موسى عليه السلام بهم، وحسن خطابه لهم، وتذكيرهم [١٦٦ أ] بنعم الله عليهم، وبشارتهم بوعد الله لهم: بأن القرية مكتوبة لهم، ونهيهم عن معصيته بارتدادهم على أدبارهم، وأنهم إن عصوا أمره ولم يمتثلوا انقلبوا خاسرين.

فجمع لهم بين الأمر والنهي، والبشارة والنذارة، والترغيب والترهيب، والتذكير بالنعم السالفة، فقابلوه أقبح المقابلة، فعارضوا أمر الله تعالى بقولهم: {يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} [المائدة: ٢٢] فَلَمْ يوقِّروا رسوله وكليمه، حتى نادوه باسمه، ولم يقولوا: يا نبي الله! وقالوا: {يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} ونسوا قدرة جبار السماوات والأرض الذي يُذلّ الجبابرة لأهل طاعته، وكان خوفهم من أولئك الجبارين (١) الذين نواصيهم بيد الله أعظمَ من خوفهم من الجبار الأعلى سبحانه، وكانوا أشدَّ رهبةً في صدورهم منه.

ثم صرَّحوا بالمعصية والامتناع من الطاعة، فقالوا: {لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا} [المائدة: ٢٢]، فأكَّدوا معصيتهم بأنواع من التأكيد:

أحدها: تمهيد عذر العصيان بقولهم: {يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ}.


(١) «الجبارين» ساقطة من م.