وكذلك ما ذكروه من حديث عائشة رضي الله عنها: أن رجلاً طلق امرأته ثلاثًا، فسُئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: هل تَحِلّ للأول؟ فقال:«لا» الحديث، هو حقٌّ يجب المصير إليه، لكن ليس فيه أنه طلقها ثلاثًا بفَمٍ واحد، فلا تُدخلوا فيه ما ليس فيه.
وقولكم:«لم يستفصل»، جوابه: أن الحال قد كان عندهم معلومًا، وأن الثلاث إنما تكون ثلاثًا واحدةً بعد واحدة، وهذا مقتضى اللغة، والقرآن، والشرع، والعُرف كما بيّنا؛ فخرج الكلام على المفهوم المتعارف من لغة القوم.
فصل
وأما ما اعتمد عليه الشافعي من طلاق الملاعن ثلاثًا بحَضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكره، فلا دليل فيه؛ لأن الملاعنة يَحْرُمُ عليه إمساكها، وقد حُرِّمت عليه تحريمًا مؤبدًا، فما زاد الطلاقُ الثلاث هذا التحريم الذي هو مقصود اللعان إلا تأكيدًا وقوة.
هذا جواب شيخنا رحمه الله.
وقال ابن المنذر، وقد ذكر الأدلة على تحريم جمع الطلاق الثلاث وأنه بِدعَة، ثم قال:«وأما ما اعْتَلّ به من رأى أن مُطَلِّق الثلاث في مرة واحدة مُطلِّق للسنة بحديث العَجلاني؛ فإنما أوقع الطلاق عنده على أجنبيةٍ، علم الزوج الذي طلّق ذلك أو لم يعلم؛ لأن قائله يوقع الفرقة بالْتِعان الرجل قبل أن تلتعن المرأة، فغير جائز أن يحتج بمثل هذه الحجة من يرى أن الفرقة تقع بالْتِعانِ الزوج وحده». انتهى.