هو الذي أجرى ذلك على أيديهما، وأنه ليس من صنعهما، فتكذيب أحدهما وتصديق الآخر تفريق بين المتماثلين.
وأيضًا فإنه لا دليل لهم على أن موسى تلقَّى تلك المعجزات عن الله تعالى إلا وهو يدلُّ على أن عيسى عليه السلام تلقَّاها أيضًا عن الله تعالى، فإن أمكن القَدحُ في معجزات عيسى أمكن القدح في معجزات موسى عليه السلام، وإن كان ذلك باطلاً فهذا أيضًا باطل.
وإذا كان هذا شأن معجزات هذين الرسولين مع بُعد العَهد، وتشتُّتِ شمل أمَّتيهما في الأرض، وانقطاع معجزاتهما، فما الظن بنبوة مَنْ معجزاته وآياته تزيد على الألف، والعهد بها قريب، وناقلوها أصدق الخلق وأبرّهم، ونقلها ثابت بالتواتر قرنًا بعد قرن؟
وأعظهما معجزةً كتاب باقٍ غَضٌّ طريٌّ، لم يتغير ولم يتبدل منه شيء، بل كأنه منزَّل الآن، وهو القرآن العظيم، وما أخبر به يقع كلَّ وقت على الوجه الذي أخبر به، حتى كأنه كان يشاهدهُ عِيانًا.
فصل
ولا يمكن البتة أن يؤمنَ يهوديٌّ بنبوة موسى عليه السلام إن لم يؤمِنْ بنبوة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، ولا يمكن نصرانيًّا أن يُقِرّ بنبوة المسيح إلا بعد إقراره بنبوة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.
وبيان ذلك: أن يُقال لهاتين الأُمَّتين:
أنتم لم تُشاهدوا هذين الرسولين، ولا شاهدتم آياتهما وبراهين نبوَّتهما، فكيف يسع العاقلَ أن يُكذّب نبيًّا ذا دعوةٍ شائعة، وكلمةٍ قائمةٍ، وآياتٍ باهرةٍ،