على الهوى، ولا يكَدْن يرين [١١٦ ب] ذلك قبيحًا، كما يساعد الرجال بعضهم بعضًا على ذلك، فحيث استقبحن منها ذلك كان هذا دليلًا على أنه من أقبح الأمور، وأنه مما لا ينبغي أن تُساعَد عليه، ولا يحسن معاونتها عليه.
العاشر: أنهنّ جمعن لها في هذا الكلام واللوم بين العشق المُفْرَط والطلب المُفْرَط، فلم تقتصد في حُبِّها ولا في طلبها، أما العشق فقولهن:{قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا}، أي: وصل حُبّه إلى شغاف قلبها، وأما الطلب المفرط فقولهن:{تُرَاوِدُ فَتَاهَا}، والمراودة: الطلب مرة بعد مرة، فنسبوها إلى شدة العشق، وشدة الحرص على الفاحشة.
فلما سمعت بهذا المكر منهن هيأت لهنّ مكرًا أبلغ منه، فهيَّأت لهنَّ مُتكًا، ثم أرسلت إليهن، فجمعتهن، وخبأت يوسف عليه السلام عنهن، وقيل: إنها جَمّلته وألبسته أحسن ما تقدر عليه، وأخرجته عليهن فجأة، فلم يَرُعْهُنَّ إلا وأحسنُ خلق الله وأجملُه قد طلع عليهنَّ بغتةً، فراعهن ذلك المنظرُ البهيُّ، وفى أيديهن مُدًى يَقْطَعْنَ بها ما يأكلنه، فدُهِشْنَ حتى قَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ وهُنّ لا يشعرن.
وقد قيل: إنهن أبَنّ أيديهن، والظاهر خلاف ذلك، وإنما تقطيعهن أيديهن: جَرحُها وشقُّها بالمُدى لِدهَشِهنّ بما رأين، فقابلت مكرهن القولي بهذا المكر الفعلي، وكانت هذه في النساء غايةً في المكر.
والمقصود أن الله سبحانه كاد ليوسف عليه السلام: بأن جمع بينه وبين أخيه، وأخرجه من أيدي إخوته بغير اختيارهم، كما أخرجوا يوسف من يد أبيه بغير اختياره.