للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعُبّاد النار يُفَضّلونها على التراب، ويعظِّمونها، ويصوِّبون رأي إبليس.

وقد رُمي بَشَّار بن بُرْد بهذا المذهب لقوله في قصيدته (١):

الأَرْضُ سَافِلَةٌ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ ... وَالنَّارُ مَعْبُودَةٌ مُذْ كانَتِ النَّارُ

ويقولون: إنها أوسع العناصر خيرًا، وأعظمها جِرْمًا، وأوسعها مكانًا، وأشرفها جوهرًا، وألطفها جسمًا، ولا كوْن في العالم إلا بها، ولا نُموَّ ولا انعقادَ إلا بممازجتها.

ومن عبادتهم لها: أن يحفروا لها أُخدودًا مُرَبّعًا في الأرض، ويطوفون به.

وهم أصنافٌ مختلفة:

فمنهم: من يُحرّم إلقاء النفوس فيها، وإحراق الأبدان بها، وهم أكثر المجوس.

وطائفة أخرى منهم مَن تبلغُ بهم عبادتهم لها إلى أن يُقرّبوا أنفسهم وأولادهم لها، وهؤلاء أكثر ملوك الهند [١٤٥ ب] وأتباعهم، ولهم سُنة معروفة في تقريب نفوسهم، وإلقائهم فيها، فيَعمِدُ الرجل الذي يريد أن يفعل ذلك بنفسه أو بولده أو حبيبه، فيُجَمّله ويُلبسه أحسن اللباس، وأفخر الحُليِّ، ويركب أعلى المراكب، وحول المعازف والطبول والبوقات، فيُزَفّ إلى النار أعظم من زفافه ليلة عرسه، حتى إذا ما قابلها ووقف عليها وهى تأجَّجُ


(١) البيت في البيان والتبيين (١/ ١٦) وكامل المبرد (٣/ ١١١١) والأغاني (٣/ ١٤٥) ووفيات الأعيان (١/ ٢٧٣)، وملحقات ديوان بشار (٤/ ٧٨). قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: «ولا إخاله صحيح النسبة إليه».