للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا، فقل لها: فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ وهل بعد طريق الجنة إلا طريق النار؟ وهل بعد سبيل الله وسبيل رسوله إلا سبيل الشيطان؟ فإن اتبعتِ سبيله كنت قرينه، وستقولين: {يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف: ٣٨]، ولينظر أحوال السلف في متابعتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فليقْتَدِ بهم، وليحتَذِ (١) طريقتهم؛ فقد رُوِّينا عن بعضهم أنه قال: «لقد تقدمني قوم؛ لو لم يتجاوزوا بالوضوء الظفر ما تجاوزته».

قلت: هو إبراهيم النَّخَعيُّ (٢).

وقال زين العابدين يومًا لابنه: «يا بني! اتخذ لي ثوبًا ألبسه عند قضاء الحاجة؛ فإني رأيت الذباب يسقط على الشيء، ثم يقع على الثوب». ثم انتَبَه (٣) فقال: «ما كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلا ثوب واحد». فتركه (٤).

وكان عمر رضي الله تعالى عنه يَهُمّ بالأمر ويَعزِم عليه، فإذا قيل له: لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى، حتى إنه قال: «لقد هممتُ أن أنهى عن لبس هذه الثياب؛ فإنه بلغني أنها تُصبَغ ببول العجائز»، فقال له أُبَيٌّ: «ما لك أن تنهى؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد لبسها، ولُبِستْ في زمانه، ولو علم الله أن لبسها حرام لبينه لرسوله». فقال عمر: «صدقت» (٥).


(١) م: «وليتخذ».
(٢) رواه الدارمي (٢١٨) من طريق شريك عن أبي حمزة عن إبراهيم النخعي بمعناه.
(٣) م: «ثم أتيته فقلت».
(٤) رواه ابن سعد في الطبقات (٥/ ٢١٨ - ٢١٩)، وأبو نعيم في الحلية (٣/ ١٣٣).
(٥) رواه عبد الرزاق (١/ ٣٨٣)، وأحمد (٥/ ١٤٢)، وابن حزم في حجة الوداع (٣٩٧) من طريق الحسن البصري عن عمر، قال الهيثمي في المجمع (١/ ٦٣٣، ٥/ ٢٢٥): «رجاله رجال الصحيح، إلا أن الحسن لم يسمع من عمر ولا من أُبيّ». ورواه ابن أبي عاصم في كتاب اللباس ـ كما في فتح الباري لابن رجب (٢/ ١٦١) ـ من طريق قبيصة بن جابر عن عمر، وفيه أن الرجل المعترض هو عبد الرحمن بن عوف. ورواه عبد الرزاق (١/ ٣٨٢) عن معمر عن قتادة عن عمر، ولم يسمّ الرجل المعترضَ. ورواه عبد الرزاق أيضًا (١/ ٣٨٣)، وأبو بكر الخلال ـ كما في فتح الباري لابن رجب (٢/ ١٦١) ـ من طريق ابن سيرين قال: همّ عمر أن ينهى عن ثياب حبرة لصبغ البول ثم قال: «كان نُهينا عن التعمّق».