للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مطالبه، فإن فيه فقرًا ذاتيًّا إلى ربه وإلهه، من حيث هو معبوده ومحبوبه وإلهه ومطلوبه، كما أن فيه فقرًا ذاتيًّا إليه، من حيث هو ربُّه وخالقه ورازقه ومدبِّره، وكلما تمكنت محبة الله من القلب وقويت فيه خرج منه تألهه لما سواه، وعبودبته له:

فَأَصْبَحَ حُرًّا عِزَّةً وَصِيَانَةً ... عَلَى وَجْهِهِ أَنْوَارُهُ وَضِيَاؤُهُ (١)

وما من مؤمن إلا وفى قلبه محبة لله تعالى، وطمأنينة بذكره، وتنعُّم بمعرفته، ولذة وسرور بذكره، وشوق إلى لقائه، وأُنْسٌ بقربه، وإن لم يُحسّ به لاشتغال قلبه بغيره، وانصرافه إلى ما هو مشغول به، فوجودُ الشيء غيرُ الإحساس والشعور به.

وقوة ذلك وضعفه وزيادته ونقصانه، هو بحسب قوة الإيمان وضعفه وزيادته ونقصانه.

ومتى لم يكن الله وحده غايةَ مراد العبد، ونهاية مقصوده، وهو المحبوب المراد له بالذات والقصد الأول، وكل ما سواه فإنما يحبه ويريده ويطلبه تبعًا لأجله= لم يكن قد حقق شهادة أن لا إله إلا الله، وكان فيه من النقص والعيب والشرك، وله من موجَبات ذلك من الألم والحسرة والعذاب، بحسب ما فاته من ذلك.

ولو سعى في هذا المطلوب بكل طريق، واستفتح من كل باب، ولم يكن [١٣٧ ب] مستعينًا بالله، متوكلًا عليه، مفتقرًا إليه في حصوله، متيقنًا أنه إنما يحصل بتوفيقه ومشيئته وإعانته، لا طريق له سوى ذلك بوجه من الوجوه= لم


(١) البيت مع آخر في طريق الهجرتين (١/ ٩٦).