ولم يزالوا مُوضعين مجتهدين في المكر والخبث إلى أن أخزاهم الله بيد رسوله وأتباعه - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهم أعظمَ الخزي، ومزّقهم كل مُمَزَّق، وشتّت شملهم كلّ مُشَتَّتٍ.
وكانوا يُعاهدونه -صلى الله عليه وسلم-، ويصالحونه، فإذا خرج لحرب عدوِّه نقضوا عهده.
ولما سلَب الله تعالى هذه الأمةَ مُلكها وعزّها، وأذلّها، وقَطّعهم في الأرض، انتقلوا من التدبير بالقدرة والسلطان، إلى التدبير بالمكر والدّهاء والخداع.
وكذلك كل عاجز جَبَان، سلطانه في مَكره وخداعه، وبَهْتِه وكذِبه، ولذلك كان النساء بيت المكر والخداع، والكذب والخيانة، كما قال تعالى عن شاهد يوسف عليه السلام، أن قال:{إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}[يوسف: ٢٨].
ومن تلاعب الشيطان بهذه الأمة: أنهم يُمثّلون أنفسهم بعناقيد الكَرْم، وسائرَ الأمم بالشوك المحيط بأعالي حيطان الكرم.
وهذا من غاية جهلهم وسَفههم، فإن المعتنين بمصالح الكرم إنما يجعلون على أعالي حيطانه الشوك حفظًا له، وحياطة، وصيانة، ولسنا نرى لليهود من سائر الأمم إلا الضرر والذل والصَّغار، كما يفعل الناس بالشوك.
ومن تلاعبه بهم: أنهم ينتظرون قائمًا من ولد داود النبي، إذا حرَّك شفتيه بالدعاء مات جميع الأمم، وأن هذا المنتظر بزعمهم هو المسيح الذي وُعدوا به.