أنه يُعفَى عن النجاسات المخففة ــ كالنجاسة في محل الاستجمار، وأسفل الخُفّ والحذَاء، وبول الصبي الرّضيع وغير ذلك ــ مالا يُعْفَى عن المغلظة، وكذلك يُعفَى عن الصغائر ما لا يُعفَى عن الكبائر، ويُعفَى لأهل التوحيد المحض الذي لم يَشُوبوه بالشرك ما لا يُعفَى لمن ليس كذلك.
فلو لقي الموحِّدُ ــ الذي لم يشرك بالله شيئًا البتة ــ ربَّه بقُراب الأرض خطايا أتاه بقُرابها مغفرة، ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده وشابَهُ بالشرك؛ فإن التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب، فإنه يتضمن من محبة الله وإجلاله، وتعظيمه، وخوفه، ورجائه وحده، ما يوجب غَسْلَ الذنوب، ولو كانت قُراب الأرض، فالنجاسة عارضة، والدافع لها قويّ، فلا تثبت معه.
ولكن نجاسة الزنا واللواط أغلظ من غيرهما من النجاسات، من جهة أنها تُفسِد القلب، وتُضعِف توحيده جدًّا، ولهذا أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركًا؛ فكلما كان الشرك في العبد أغلب كانت هذه النجاسة والخبائث فيه أكثر، وكلما كان أعظم إخلاصًا كان منها أبعد، كما قال تعالى عن يوسف الصديق:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}[يوسف: ٢٤].
فإن عشق الصور المحرّمة نوع تَعَبُّدٍ لها، بل هو من أعلى أنواع التعبد، ولا سيما إذا استولى على القلب وتمكن منه صار تتَيُّمًا، والتتيم: التعبد، فيصير العاشق عابدًا لمعشوقه، وكثيرًا ما يغلب حبُّه وذِكْرُه والشوق إليه، والسعي في مرضاته، وإيثارُ محابّه، على حب الله وذِكْرِه والسعي في مرضاته، بل كثيرًا ما يذهب ذلك من قلب العاشق بالكُلِّية، ويصير متعلقًا