للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإيمان به، والإنابة إليه، ما هو أحبُّ إليه من تلك الحاجة التي قصدها أولًا، ولكنه لم يكن يعرف ذلك أولًا حتى يطلبه، ويشتاق إليه. وفي نحو ذلك قال القائل (١):

جَزَى اللهُ يَوْمَ الرَّوْع خَيْرًا فَإِنَّهُ ... أَرَانَا عَلَى عِلَّاتِهِ أُمَّ ثَابِتِ

أَرَانَا مَصُونَاتِ الحِجالِ وَلَمْ نَكُنْ ... نَرَاهُنَّ إِلا عِنْدَ نَعْتِ النَّوَاعِت

الوجه السادس: أن تعلُّق العبد بما سوى الله تعالى مَضَرة عليه، إذا أخذ منه فوق القدر الزائد على حاجته، غير مستعين به على طاعة الله، فإذا نال من الطعام والشراب والنكاح واللباس فوق حاجته ضرَّه ذلك، ولو أحب سوى الله ما أحب؛ فلا بد أن يُسْلبَه ويفارقه، فإن أحبه لغير الله فلا بد أن تضره محبته ويعذّب بمحبوبه إما في الدنيا وإما في الآخرة؛ والغالب أنه يعذب به في الدارين، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: ٣٤، ٣٥]، وقال تعالى: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: ٥٥].

ولم يُصِبْ من قال: إن الآية على التقديم والتأخير كالجُرجانى (٢)،


(١) البيتان لابن ميادة في المحب والمحبوب (١/ ٧٦)، ولأعرابي في وفيات الأعيان (٣/ ١٢٢).
(٢) هو أبو علي الحسن بن يحيى صاحب «نظم القرآن»، وقد نقله عنه المؤلف في كتاب «الروح» (ص ١٦٨، ١٦٩) ط. محمد علي صبيح، و «الفوائد» (ص ١٢٩)، ونقل عنه القرطبي في تفسيره في مواضع.