فهذا قولهم في صلاتهم، مع علمهم بأن موسى وهارون عليهما السلام لم يقولا شيئًا من ذلك، ولكنها فصولٌ لَفَّقُوها بعد زوال دولتهم.
وكذلك صيامُهم كصوم إحراق بيت المقدس، وصوم حصبا، وصوم كَدَلْيا التي جعلوها فرضًا، لم يَصُمْها موسى، ولا يُوشَع بن نون، وكذلك صومُ صَلبِ هامان، ليس شيء من ذلك في التوراة، وإنما وضعوها لأسبابٍ اقتضت وَضْعَهَا عندهم.
هذا مع أنه في التوراة ما ترجمته:«لا تزيدوا على الأمر الذي أنا مُوصيكم به شيئًا، ولا تَنقصوا منه شيئًا».
وقد تضمنت التوراة أوامر كثيرة جدًّا، هم مجمعون على تعطيلها وإلغائها، فإما أن تكون منسوخةً بنصوصٍ أخرى من التوراة، أو بنقلٍ صحيح عن موسى عليه السلام، أو باجتهاد علمائهم وأحبارهم.
وعلى التقادير الثلاثة: فقد بطلت شُبْهتهم في إنكار النسخ.
ثم من العجب: أن أكثر تلك الأوامر التي هم مجمعون على عدم القول بها والعمل بها: إنما يستندون فيها إلى أقوال علمائهم وآرائهم، وقد اتفقوا على تعطيل الرّجْم للزّاني، وهو نصُّ التوراة، وتعطيل أحكام كثيرة منصوصةٍ في التوراة.
ومن تلاعب الشيطان بهم: أنهم يزعمون أن الفقهاء إذا أحلّوا لهم الشيء صار حلالًا، وإذا حرّموه صار حرامًا، وإن كان نصّ التوراة بخلافه.
وهذا تجويزٌ منهم لنسخهم ما شاءوا من شريعة التوراة، فحجروا على الربّ تعالى وتقدس أن يَنسخ ما يريد من شريعته، وجَوّزوا ذلك لأحبارهم وعلمائهم.