بل يصير تعبدًا لازمًا للقلب لا ينفكّ عنه، ومعلومٌ أن هذا أعظم ضررًا وفسادًا من فاحشة يرتكبها مع كراهيته لها، وقلبه غير متعبّد لمن ارتكبها منه.
وقد أخبر الله سبحانه أن سلطان الشيطان إنما هو:{عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}[النحل: ١٠٠]، وأن سلطانه إنما هو على من اتبعه من الغاوين، والغَيّ اتباع الهوى والشهوات، كما أن الضَّلال اتباعُ الظنون والشبهات.
وأصلُ الغيّ من الحبّ لغير الله، فإنه يَضعفُ الإخلاصُ به، ويقوَى الشرك بقوَّته.
فأصحاب العشق الشيطاني لهم مِن تَوَلَّي الشيطان والإشراك به بقَدْر ذلك، لما فيهم من الإشراك [١٢٥ ب] بالله، ولما فاتهم من الإخلاص له، ففيهم نصيب من اتخاذ الأنداد، ولهذا ترى كثيرًا منهم عبدًا لذلك المعشوق، مُتَيمًا فيه، يصرخُ في حضوره ومغيبه: أنه عبده، فهو أعظم ذكرًا له من ربّه، وحُبّه في قلبه أعظم من حبّ الله فيه، وكفى به شاهدًا بذلك على نفسه فالإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره.
فلو خُيّر بين رضَاهُ ورضا الله لاختار رضا معشوقه على رضا ربِّه، ولقاءُ معشوقه أحبّ إليه من لقاء ربِّه، وتمنّيه لقُربه أعظم من تمنِّيه لقرب ربِّه، وهَرَبُه من سخَطِه عليه أشدّ من هربه من سَخط ربِّه عليه، يُسْخِط رَبّه بمرضاة