وكأنهم إنما عظموا الصليب لما رأوه قد ثبت لصَلْبِ إلههم، ولم ينشقّ، ولم يتطاير ويتكسّر من هيبته لما حُمل عليه، وقد ذكروا أن الشمس اسوَدّت وتَغَيّر حال السماء والأرض، فلما لم يتغيّر الصليبُ ولم يتطاير استحقّ عندهم التعظيمَ وأن يُعْبَد.
ولقد قال بعض عقلائهم: إن تعظيمنا للصليب جارٍ مَجْرى تعظيم قبور الأنبياء، فإنه كان قبر المسيح وهو عليه، ثم لمّا دُفنَ صار قبرُه في الأرض! وليس وراء هذا الحمق والجهل حُمْق، فإن السجود لقبور الأنبياء وعبادتها [١٥٩ ب] شركٌ، بل من أعظم الشرك، وقد لَعَنَ إمام الحنفاء وخاتمُ الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - اليهود والنصارى، حيثُ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (١)، وأصلُ الشرك وعبادة الأوثان: من العُكوف على القبور، واتخاذها مساجد.
ثم يقال: فأنتم تعظّمون كلَّ صليب، ولا تَخُصّون التعظيمَ بذلك الصليب بعينِهِ.
فإن قلتم: الصليب من حيث هو يُذَكِّر بالصليب الذي صُلب عليه إلهنا.
قيل: وكذلك الحُفَر تذكِّر بحفرته، فعَظِّموا كلَّ حُفْرةٍ، واسجدُوا لها، لأنها كحفرته أيضًا بل أولى، لأن خشبة الصليب لم يَسْتَقِرّ عليها استقرارَه في الحفرة.
ثم يقال: اليدُ التي مَسّته أولى أن تُعَظَّم من الصليب، فعظِّموا أيدي اليهود، لمسّهِم إيّاهُ، وإمساكهم له، ثم انقُلوا ذلك التعظيم إلى سائر الأيدي.