للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجنة على من في قلبه نجاسة وخبث، ولا يدخلها إلا بعد طِيبه وطهره (١)، فإنها دار الطيبين، ولهذا يقال لهم: {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: ٧٣]، أي ادخلوها بسبب طيبكم. والبشارة عند الموت لهؤلاء دون غيرهم، كما قال تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: ٣٢]، فالجنة لا يدخلها خبيث، ولا من فيه شيء من الخبث.

فمن تطهر في الدنيا ولقي الله طاهرًا من نجاساته دخلها بغير مُعَوِّق، ومن لم يتطهر في الدنيا؛ فإن كانت نجاسته عينية كالكافر لم يدخلها بحال، وإن كانت نجاسته كسبية عارضة دخلها بعدما يتطهر من تلك النجاسة، ثم يخرج منها، حتى إن أهل الإيمان إذا جازوا الصراط حُبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيُهَذَّبون ويُنقَّون من بقايا بقيت عليهم، قصَّرت (٢) بهم عن الجنة، ولم توجب لهم دخول النار، حتى إذا هُذّبوا ونُقُّوا أُذِن لهم في دخول الجنة (٣).

والله سبحانه بحكمته جعل الدخول عليه موقوفًا على الطهارة، فلا يدخل المصلي عليه حتى يتطهر، وكذلك جعل الدخول إلى جنته موقوفًا على الطِّيب والطهارة، [١٧ ب] فلا يدخلها إلا طَيِّبٌ طاهر، فهما طهارتان: طهارة البدن، وطهارة القلب، ولهذا شُرع للمتوضئ أن يقول عقيب وضوئه: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من


(١) في م: «تطهره».
(٢) م، ت، ظ: «فصرف».
(٣) كما في الحديث الذي أخرجه البخاري (٢٤٤٠) عن أبي سعيد الخدري.