للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال هَرِم بن حَيّان (١): ما أقبلَ عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا أقبلَ الله بقلوب المؤمنين إليه، حتى يرزقَهُ مودّتهم ورحمتهم.

وأهل المعاصي والفسوق وإن كان بينهم نوعُ مودّةٍ وتحابٍّ، فإنها تنقلبُ عداوةً وبغضًا، وفى الغالب يتعجل لهم ذلك في الدنيا قبل الآخرة، وأما في الآخرة فـ {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: ٦٧].

وقال إمام الحُنفاء لقومه: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [العنكبوت: ٢٥].

فالمعاصي كلها توجب ذلك، وتصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة، وذكْرُ ذلك في الخمر والميسر اللذين هما من أواخر المحرّمات: تنبيهٌ على ما في غيرهما من ذلك، مما حُرّم قبلهما، وهو أشد تحريمًا منهما، فإن ما يوقعه قتلُ النفوس، وسرقة [١٢٦ ب] الأموال، وارتكابُ الفواحش من ذلك، وما يَصُدّ به عن ذكر الله وعن الصلاة، أضعافُ أضعافِ ما يقتضيه الخمرُ والميسرُ، والواقعُ شاهدٌ بذلك.

وكم وقع وهو واقعٌ بين الناس بسبب عشق الصور: من العداوة


(١) رواه أحمد في الزهد (ص ٢٣٢) والطبري في تفسيره (١٨/ ٢٦٢) عن قتادة قال: ذُكر لنا أنّ هرم بن حيان كان يقول ... وذكره، ورواه البيهقي في الزهد (٧٩٩) عن قتادة عن هرم بن حيان.