للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، فتعلُّق القلب بغيره رجاءً وخوفًا وتوكلًا وعبودية ضررٌ محضٌ، لا منفعة فيه، وما يحصل بذلك من المنفعة فهو وحده الذي قدَّرها ويسَّرها، وأوصلها إليك.

الوجه العاشر: أن غالب الخلق إنما يريدون قضاء حاجاتهم بك، وإن أضرَّ ذلك بدينك ودنياك، فهم إنما غرضهم قضاء حوائجهم ولو بمضرّتك، والرب تعالى إنما يريدك لك، ويريد الإحسان إليك لك لا لمنفعته، ويريد دفع الضرر عنك، فكيف تُعلِّق أملَك ورجاءك وخوفك بغيره؟

وجِماع هذا أن تعلم «أن الخلق لو اجتمعوا كلهم على أن ينفعوك بشيءٍ؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا كلهم على أن يضروك بشيء؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك» (١). قال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: ٥١].

خاتمة لهذا الباب

لما كان الإنسان بل وكلُّ حيٍّ متحرك بالإرادة لا ينفكُّ عن علم وإرادة وعمل بتلك الإرادة، وله مراد مطلوب، وطريق وسبب موصل إليه، معين عليه، وتارة يكون السبب منه، وتارة من خارج منفصل عنه، وتارة منه ومن الخارج، فصار الحي مجبولًا على أن يقصد شيئًا ويريده، ويستعين بشيء، ويعتمد عليه في حصول مراده.


(١) جزء من حديث أخرجه الترمذي (٢٥١٦)، وأحمد (١/ ٢٩٣، ٣٠٣) عن ابن عباس. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقد أفرد ابن رجب هذا الحديث بالشرح في «نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس».