للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

ومحاسبة النفس نوعان: نوع قبل العمل، ونوع بعده.

فأما النوع الأول: فهو أن يقف عند أول همته وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه.

قال الحسن: «رحم الله عبدًا وقف عند همِّه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر» (١).

وشرح هذا بعضهم، فقال: إذا تحركت النفس لعمل من الأعمال وهَمّ به العبدُ (٢) وقف أولًا، ونظر: هل ذلك العمل مقدور له أم غير مقدور ولا مستطاع؟ فإن لم يكن مقدورًا لم يُقْدِم عليه، وإن كان مقدورًا وقف وقفة أُخري ونظر: هل فعلُه خير من ترْكه، أو تركه خير من فعله؟ فإن كان الثاني تركه ولم يُقْدِم عليه، وإن كان الأول وقف وقفة ثالثة، ونظر: هل الباعث عليه إرادة وجه الله وثوابه، أم إرادة الجاه والثناء والمال من المخلوق؟ فإن كان الثاني لم يُقدمِ عليه وإن أفضى به إلى مطلوبه؛ لئلا تعتاد النفس الشرك، ويخفّ عليها العمل لغير الله، فبقدر ما يَخِف عليها ذلك يثقل عليها العمل لله، حتى يصير أثقل شيء عليها، وإن كان الأول وقف وقفة أخرى، ونظر: هل هو مُعانٌ عليه، وله أعوان يساعدونه وينصرونه إذا كان العمل محتاجًا إلى ذلك؛ أم لا؟ فإن لم يكن له أعوان أمسك عنه، كما أمسك النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجهاد بمكة حتى صار له شوكة وأنصار، وإن وجده مُعانًا عليه فليُقْدِم عليه


(١) رواه البيهقي في الشعب (٥/ ٤٥٨).
(٢) «العبد» ساقطة من م.