قالوا: فهذه الأحاديث أكثر وأشهر، وعامَّتها أصحّ من حديث أبى الصهباء، وحديث ابن جُريج، عن عكرمة عن ابن عباس؛ فيجب تقديمها عليه، ولا سيما على قاعدة الإمام أحمد، فإنه يُقدِّم الأحاديث المتعددة على الحديث الفرد عند التعارض، وإن كان الحديث الفردُ متأخرًا، كما قَدّم في إحدى الروايتين أحاديث تحريم الأوعية على حديث بُريدة لكونها متعددة؛ وحديثُ بريدة في إباحتها فرد، وهو متأخّر، فإنه قال:«كنتُ نهيتُكم عن الانتباذ في الأوعية، فاشربوا فيما بدا لكم، غير أن لا تشربوا مُسْكرًا». مع أنه حديث صحيح، رواه مسلم (١)، ولا نعرف له عِلّة.
فصل
قال الآخرون: هذه الأحاديث التي ذكرتموها، ولم تَدَعوا بعدها شيئًا، هي بين أحاديث صحيحة لا مَطعنَ فيها ولا حجةَ فيها، وبين أحاديث صريحة الدلالة، لكنها باطلة أو ضعيفة لا يصح شيء منها. ونحن نذكر ما فيها ليتبيّن الصواب، ويزول الإشكال:
أما حديث فاطمة بنت قيس: فمن أصح الأحاديث، مع أن أكثر المنازعين لنا في هذه المسألة قد خالفوه، ولم يأخذوا به، فأوجبوا للمبتوتة النفقة والسُّكنى، ولم يلتفتوا إلى هذا الحديث ولا عملوا به، وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه. وأما الشافعي ومالكٌ فأوجبوا لها السكنى. والحديث قد صرّح فيه بأنه لا نفقة لها ولا سكنى، فخالفوه ولم يعملوا به، فإن كان الحديث صحيحًا وهو حجةٌ فهو حجة عليكم، وإن لم يكن محفوظًا، بل هو غلط كما قاله بعض المتقدمين، فليس حجةً علينا في جمع الثلاث. فأما أن