قال الشيخ أبو محمد المقدسي في كتابه «ذم الوسواس»(١):
الحمد لله الذي هدانا بنعمته، وشرَّفنا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وبرسالته، ووفَّقنا للاقتداء به والتمسك بسنّته، ومَنّ علينا باتِّباعه الذي جعله عَلَمًا على محبته ومغفرته، وسببًا لكتابة رحمته وحصول هدايته، فقال سبحانه:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[آل عمران: ٣١]، وقال تعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} إلى قوله: {النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ}، ثم قال:{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[الأعراف: ١٥٨].
أما بعد، فإن الله سبحانه جعل الشيطان عدوًّا للإنسان، يقعد له الصراط المستقيم، ويأتيه من كل جهة وسبيل، كما أخبر الله تعالى عنه أنه قال: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: ١٦، ١٧]، وحذَّرنا الله تعالى من متابعته، وأمرنا بمعاداته ومخالفته، فقال سبحانه:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}[فاطر: ٦]، وقال:{يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ}[الأعراف: ٢٧]، وأخبرنا بما صنع بأبوينا تحذيرًا لنا من طاعته، وقطعًا للعذر في متابعته، وأمرنا الله باتباع صراطه المستقيم، ونهانا عن اتباع السُّبل، فقال سبحانه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا
(١) طبع بمصر سنة ١٣٤٣، ثم نشره عبد الله الطريقي سنة ١٤١١، ولم يعرف أن ابن القيم نقل هنا معظمه مع التعليق عليه وزيادات كثيرة، إلى صفحة ٢٩٩.