السلام تنبيه على أن من كاد غيره كيدًا مُحَرَّمًا فإن الله سبحانه وتعالى لابدَّ أن يكيده، وأنه لا بدَّ أن يكيدَ للمظلوم إذا صبر على كيد كائده، وتلطّف به، فالمؤمن المتوكل على الله إذا كاده الخلق فإن الله تعالى يكيدُ له، ويَنتصر له، بغير حَوْل منه ولا قوة.
فهذا أحد النوعين من كيده سبحانه لعبده.
النوع الثاني: أن يُلهمه أمرًا مباحًا، أو مستحبًّا، أو واجبًا، يوصله إلى المقصود الحسن، فيكون على هذا إلهامه ليوسف عليه السلام أن يفعل ما فعل: هو من كيده سبحانه أيضًا، فيكون قد كاد له نَوْعَي الكيد، ولهذا قال سبحانه:{اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ}[يوسف: ٧٦].
وفى ذلك تنبيه على أن العلم الدقيق بلطيف الحيل الموصلة إلى المقصود الشرعي، الذي يحبُّه الله تعالى ورسوله مِنْ نَصْر دينه، وكَسْر أعدائه، ونصر المحقّ، وقمع المبطل صفةُ مَدْحٍ يَرفعُ الله تعالى بها درجة العبد. كما أن العلم الذي يَخْصِمُ به المبطلَ، ويَدْحَض حجته، صفة مدح يرفعُ الله بها درجة عبده، كما قال سبحانه في قصة إبراهيم عليه السلام، ومناظرته قومَه، وكَسْر حُجْتهم:{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ}[الأنعام: ٨٣].
[١١٧ ب] وعلى هذا فيكون من الكيدِ ما هو مشروع، ولكن ليس هو الكيد الذي تُستحَلّ به المحرَّمات، وتسقط به الواجبات، فإن هذا كيدٌ لله تعالى ودينه، فالله سبحانه ودينه هو المَكِيدُ في هذا القسم، فمحالٌ أن يشرع الله سبحانه هذا النوع من الكيد.