حنبل عن الرجل تزوَّج المرأة، وفي نفسه أن يُحِلَّها لزوجها الأول، ولم تعلم المرأة بذلك؟ فقال: هو محلل، وإذا أراد بذلك الإحلال فهو ملعون.
قال الجوزجاني: وبه قال أبو أيوب.
وقال ابن أبي شيبة: لست أرى أن ترجع بهذا النكاح إلى زوجها الأول.
قال الجوزجاني: وأقول: إن الإسلام دين الله الذي اختاره واصطفاه وطهَّره، حقيق بالتوقير والصيانة مما لعله يَشِينهُ، ويُنَزّه عما أصبح أبناء الملل من أهل الذمة يُعَيِّرون به المسلمين (١)، على ما تقدم فيه من النهي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولَعْنِه عليه. ثم ساق الأحاديث المرفوعة في ذلك والآثار.
فصل
ومن العجائب معارضة هذه الأحاديث والآثار عن الصحابة بقوله تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة: ٢٣٠]،
والذي أنزلت عليه هذه الآية هو الذي لعن المحلِّل والمحلَّل له، وأصحابه أعلم الناس بكتاب الله، فلم يجعلوه زوجًا وأبطلوا نكاحه، ولعنوه.
وأعجب من هذا قول بعضهم: نحن نحتج بكونه سَمّاه محللًا، فلولا أنه أثبت الحلّ لم يكن محللًا!
فيقال: هذه من العظائم؛ فإن هذا يتضمن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن من فعل السّنّة التي جاء بها، وفعلَ ما هو جائز صحيح في شريعته!
وإنما سمَّاه محللًا لأنه أحلّ ما حرّم الله، فاستحقّ اللعنة، فإن الله سبحانه
(١) ذكر نحو هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٣٢/ ١٥٦).