وكذلك لما ظهر ذلك [١٥٤ ب] ببلاد المشرق سلّط عليهم عساكر التتار، فأبادوا أكثر البلاد الشرقية، واستولوا عليها.
وكذلك في أواخر المئة الثالثة، وأول الرابعة، لما اشتغل أهل العراق بالفلسفة وعلوم أهل الإلحاد سَلَّط عليهم القرامطة الباطنية، فكسروا عسكر الخليفة عدة مرات، واستولوا على الحاجّ، واستعرضوهم قتلًا وأسرًا، واشتدت شوكتهم، واتُّهِمَ بموافقتهم في الباطن كثير من الأعيان من الوزراء، والكتّاب، والأدباء وغيرهم، واستولى أهلُ دعوتهم على بلاد الغرب، واستقرت دار مملكتهم بمصر، وبُنِيت في أيامهم القاهرة، واستولوا على الشام والحجاز واليمن والمغرب، وخُطب لهم على منبر بغداد.
والمقصود أن هذا الداء لمَّا دخل في بني إسرائيل كان سبب دمارهم وزوال مملكتهم.
ثم بعث الله سبحانه عبدَهُ ورسوله وكلمته المسيحَ ابن مريم صلوات الله وسلامه عليه، فجدد لهم الدِّين، وبيَّن لهم معالمه، ودعاهم إلى عبادة الله وحده، والتبرّي من تلك الأحداث والآراء الباطلة، فعادَوْه وكذَّبوه، ورموه وأمَّه بالعظائم، ورامُوا قتله، فطهَّره الله تعالى منهم، ورفعه إليه، فلم يَصِلُوا إليه بسوء، وأقام الله تعالى للمسيح أنصارًا دَعَوْا إلى دينه وشريعته، حتى ظهر دينه على من خالفه، ودخل فيه الملوك، وانتشرت دعوتُه، واستقام الأمرُ على السداد بعده نحو ثلاث مئة سنة.
ثم أخذ دينُ المسيح في التبديل والتغيير، حتى تَناسَخ واضمحلّ، ولم يَبْقَ بأيدي النصارى منه شيء، بل رَكّبوا دينًا بين دين المسيح ودين الفلاسفة عُبّاد الأصنام، وراموا بذلك أن يَتَلَطّفوا للأمم، حتى يدخلوهم في النصرانية،