وعطلوا العالَم عن الحق الذي خلقَه له ربه، فعطَّلوه عن مبدئه ومعاده، وعن فاعله وغايته.
ثم سرى هذا الداءُ منهم في الأمم، وفي فرق المعطلة:
فكان منهم إمام المعطّلين: فرعون، فإنه أخرج التعطيل إلى العمل، فصرَّح به، وأذّن به بين قومه، ودعا إليه، وأنكر أن يكون إلهٌ غيره، وأنكر أن يكون الله تعالى فوق سماواته على عرشه، وأن يكون كلّم عبده موسى تكليمًا، وكذّبَ موسى في ذلك، وطلب من وزيره هامان أن يبني له صرحًا ليطّلع بزعمه إلى إله موسى عليه السلام، وكذّبه في ذلك.
فاقتدى به كلُّ جهميٍّ مكذّب أن يكون الله مُكَلّمًا متكلمًا، أو أن يكون فوق سماواته على عرشه، بائنًا من خلقه، ودَرَج قومه وأصحابه على ذلك، حتى أهلكهم الله تعالى بالغرق، وجعلهم عِبْرَةً لعباده المؤمنين، ونكالًا لأعدائه المعطلين.
ثم استمر الأمر على عهد نبوّة موسى كليم الرحمن على التوحيد وإثبات الصفات، وتكليم الله لعبده موسى تكليمًا، إلى أن تُوفي موسى عليه السلام، ودخل الداخل على بني إسرائيل، ورفع التعطيلُ رأسه بينهم، وأقبلوا على علوم المعطلة أعداءِ موسى عليه السلام، وقدّموها على نصوص التوراة، فسلط الله تعالى عليهم مَنْ أزال مُلكهم، وشرّدهم من أوطانهم، وسبى ذراريَّهُم، كما هي عادته سبحانه وسُنّتُه في عباده إذا أعرضوا عن الوَحْي، وتعوّضوا عنه بكلام الملاحدة والمعطلة من الفلاسفة وغيرهم.
كما سَلّط النصارى على بلاد العرب لمّا ظهرت فيها الفلسفة والمنطق، واشتغلوا بها، فاستولت النصارى على أكثر بلادهم، وأصاروهم رعيَّة لهم.