للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قطن، أو بع هذه الحنطة العتيقة، واشتر بثمنها جديدة: لا يكاد يخطر بباله الاشتراء من ذلك المشتري بعينه، بل يشتري من حيث وجد غرضه، ووجود غرضه عند غيره أغلب من وجوده عنده.

فإن قيل: فَهَبْ أن الأمر كذلك، فهلّا نهاه عن تلك الصورة وإن لم يدخل في لفظه؟ فإطلاقه يقتضي عدم النهي عنها.

قيل: إطلاق اللفظ لا يقتضي المنع منها، ولا الإذنَ فيها، كما تقدم بيانه، فحكمها إذنًا ومنعًا يستفاد من مواضع آخر، فغاية هذا اللفظ: أن يكون قد سكت عنها، فقد عُلم تحريمها من الأدلة الدالة على تحريم العِينة.

الوجه الثالث: أن قوله: «بع الجمع بالدراهم» إنما يفهم منه البيع المقصود الخالي عن شرطٍ يمنع كونه مقصودًا، بخلاف البيع الذي لا يُقصد؛ فإنه لو قال: بع هذا الثوب، أو بعتُ هذا الثوب، لم يفهم منه بيع المكره، ولا بيع الهازل، ولا بيع التَّلْجِئَةِ، وإنما يُفْهَمُ منه البيع الذي يُقْصَد به نقل ملك العوض (١)، وقد تقدم تقرير هذا.

يوضحه: أن مثل هذين قد يتراوضان أولًا على بيع التمر بالتمر متفاضلًا، ثم يجعلان الدراهم مُحلِّلًا غير مقصودِهِ، والمقصود إنما هو بيع صاع بصاعين، ومعلوم أن الشارع لا يأذن في مثل هذا، فضلًا عن أن يأمر به ويرشد إليه.

الوجه الرابع: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة (٢)، ومتى تواطآ على


(١) م: «فعل ملك العوضين». والمثبت من بقية النسخ.
(٢) رواه أحمد (٢/ ٤٣٢، ٤٧٥، ٥٠٣)، والترمذي (١٢٣١)، والنسائي (٤٦٣٢)، وأبو يعلى (٦١٢٤)، والبيهقي في الكبرى (٥/ ٣٤٣)، وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وصححه ابن الجارود (٦٠٠)، وابن حبان (٤٩٧٣)، وابن عبد البر في التمهيد (٢٤/ ٣٨٨)، والبغوي في شرح السنة (٢١١١)، وابن العربي في العارضة (٣/ ١٩١)، والنووي في المجموع (٩/ ٣٤١)، وابن دقيق العيد في الإلمام (٩٥٨)، وابن الملقن في البدر المنير (٦/ ٤٩٦)، وحسنه الألباني في الإرواء (٥/ ١٤٩)، وهو في السلسلة الصحيحة (٢٣٢٦). وفي الباب عن ابن عمر وعبد الله بن عمرو وابن مسعود رضي الله عنهم.