للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مركبه، فهو بالفكر في تحصيل أغراضه الدنيوية معمور، وبسكرة الهوى وحبِّ العاجلة مغمور، يُنادَى إلى الله وإلى الدار الآخرة من مكان بعيد، فلا يستجيب للناصح ويتّبع كل شيطان مريد؛ الدنيا تُسخطه وتُرضيه، والهوى يُصِمُّه عما سوى الباطل ويُعميه؛ فهو في الدنيا كما قيل في ليلى:

عَدُوٌّ لِمَنْ عَادَتْ وَسِلْمٌ لأهْلِهَا ... وَمَنْ قَرَّبَتْ لَيْلَى أَحَبَّ وَقَرَّبَا (١)

فمخالطة صاحب هذا القلب سُقْمٌ، ومعاشرته سُمٌّ، ومجالسته هلاك.

فصل

والقلب الثالث قلبٌ له حياة وبه علّة؛ فله مادتان، تَمُدُّه هذه مرة، وهذه أخرى، وهو لِمَا غلب عليه منهما، ففيه من محبة الله تعالى والإيمان به والإخلاص له والتوكل عليه: ما هو مادة حياته، وفيه من محبة الشهوات، وإيثارها، والحرص على تحصيلها، والحسد، والكِبْر، والعُجْب، وحب العلوّ (٢) في الأرض بالرياسة: ما هو مادة هلاكه وعَطَبِهِ، وهو مُمتحَنٌ بين داعيين: داعٍ يدعوه إلى الله ورسوله والدار الآخرة (٣)، وداعٍ يدعوه إلى العاجلة، وهو إنما يجيب أقربهما منه بابًا، وأدناهما إليه جوارًا.

فالقلب الأول حيٌّ مُخْبِتٌ (٤) ليِّنٌ واعٍ.

والثاني يابسٌ ميتٌ.


(١) البيت ضمن أبيات في «الأغاني» (٨/ ٢١٦) بلا نسبة. قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: الحاشية ليست (هكذا) في المطبوع. وتم التصويب من الأصل الوارد من «عطاءات العلم» جزاهم الله خيرا
(٢) ح: "الفساد".
(٣) الأصل: "الأخرى" والمثبت في سائر النسخ.
(٤) ش: "مجيب".