للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبين أمور صحيحة لا منفعة للقلب فيها، وبين علوم صحيحة قد وعّروا الطريق إلى تحصيلها، وأطالوا الكلام في إثباتها، مع قلة نفعها، فهي «لحمُ جملٍ غَثٍّ، على رأس جبل وَعْر، لا سهلٌ فيُرتقَى، ولا سمينٌ فينتقل» (١). وأحسنُ ما عند المتكلمين وغيرهم فهو في القرآن أصح تقريرًا وأحسن تفسيرًا، فليس عندهم إلا التكلف والتطويل والتعقيد، كما قيل:

لَوْلَا التَّنَافُسُ في الدُّنْيَا لَمَا وُضِعَتْ ... كُتْبُ التَّنَاظُرِ لا «المُغْني» وَلا «العُمَدُ»

يُحَلِّلُونَ بِزَعْمٍ مِنْهُمُ عُقَدًا ... وبالَّذِي وَضَعُوهُ زَادَتِ العُقَدُ (٢)

فهم يزعمون أنهم يدفعون بالذي وضعوه الشُّبَه والشكوك، والفاضل الذكي يعلم أن الشبه والشكوك زادت بذلك.

ومن المحال أن لا يحصل الشفاء والهدى والعلم واليقين من كتاب الله وكلام رسوله، ويحصلَ من كلام هؤلاء المتحيرين المتشككين الشاكِّين، الذين أخبر الواقف على نهايات أقدامهم بما انتهى إليه من مَرامهم، حيث يقول (٣):


(١) جزء من حديث أم زرع الذي أخرجه البخاري (٥١٨٩)، ومسلم (٢٤٤٨) عن عائشة. وقد شرح هذا الحديث القاضي عياض في كتابه «بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد».
(٢) البيت الأول لأبي العلاء المعري في اللزوميات (١/ ٣٢١)، ومعجم الأدباء (١/ ٣٣٨)، و «المغني» و «العمد» كلاهما للقاضي عبد الجبار المعتزلي.
(٣) الأبيات للفخر الرازي في كتابه «أقسام اللذات»، وعنه نقلها شيخ الإسلام ابن تيمية في درء التعارض (١/ ١٦٠) وغيره من مؤلفاته. وهي في وفيات الأعيان (٤/ ٢٥٠)، والوافي بالوافيات (٤/ ٢٥٧، ٢٥٨)، ونفح الطيب (٥/ ٢٣٢)، وعيون الأنباء (٣/ ٤٢، ٤٣)، وطبقات السبكي (٨/ ٩٦) وغيرها.