والمحبة، ومتى خرجَ عن ذلك أحبّ ما يُسْخِطُ ربَّه، وكره ما يحبه، فنقصَتْ عبوديته بحسب ذلك.
وهاهنا طريقان: العقلُ والشرع.
أما العقلُ: فقد وضع الله سبحانه في العقول والفِطَر استحسان الصدق، والعدل، والإحسان، والبرِّ، والعفّة، والشجاعة، ومكارم الأخلاق، وأداء الأمانات، وصلة الأرحام، ونصيحة الخَلْق، والوفاء بالعهد، وحِفْظ الجوار، ونَصر المظلوم، والإعانة على نوائب الحقّ، وقِرَى الضيف، وحمل الكَلّ، ونحو ذلك.
ووَضَع في العقول والفِطَر استقباح أضدادِ ذلك، ونسبةُ هذا الاستحسان والاستقباح إلى العقول والفِطَر كنسبة استحسان شربِ الماء البارد عند الظَّمَأ، وأكل الطعام اللذيذ النافع عند الجوع، ولُبْس ما يُدْفِئُه عند البَرْد، فكما لا يمكنه أن يَدْفع عن نفسه وطبعه استحسان ذلك ونفعه، فكذلك لا يَدْفَعُ عن نفسه وفِطرته استحسانَ صفاتِ الكمال ونفعها واستقباح أضدادها.
ومن قال: إن ذلك لا يُعْلَم بالعقل ولا بالفطرَة، وإنما عُرفَ بمجرَّد السمع، فقولُه باطل، وقد بيّنّا بطلانه في كتاب «المفتاح»(١) من ستين وجهًا، وبَيّنا هناك دلالةَ القرآن والسنة والعقول والفِطَرِ على فساد هذا القول.
والطريق الثاني لمعرفة الضار والنافع من الأعمال السمعُ، وهو أوْسَعُ وأبينُ وأصدق من الطريق الأول، لخفاء صفات الأفعال وأحوالها ونتائجها، وأن العالمَ بذلك على التفصيل ليس هو إلا الرسول صلوات الله وسلامه عليه.