يحصل له مطلوبه، فإنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يوصل إليه سواه، ولا يدلُّ عليه سواه، ولا يُعبد إلا بإعانته، ولا يطاع إلا بمشيئته: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٨، ٢٩].
فإذا عُرف هذا، فالعبد في حال معصيته واشتغاله عنه بشهوته ولذّته، تكون تلك اللّذة والحلاوة الإيمانية قد اسْتَترت عنه وتوارَت، أو نقَصَت أو ذهبت، فإنها لو كانت موجودة كاملةً لما قَدّم عليها لَذّةً وشهوةً لا نِسبة بينها بوجهٍ ما، بل هي أدْنَى من حبة خَرْدَلٍ بالنسبة إلى الدنيا وما فيها.
ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يَسرِق السارق حين يسرقُ وهو مُؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن»(١)، فإنَّ ذوق حقيقة الإيمان ومباشرته لقلبه يمنعه من أن يُؤثر عليه ذلك القدر الخسيس، وينهاه عما يُشَعِّثه وينقصه.
ولهذا تجد العبد إذا كان مُخلصًا لله، منيبًا إليه، مطمئنًّا بذكره، مشتاقًا إلى لقائه قلبه، منصرفًا عن هذه المحرمات= لا يلتفت إليها، ولا يُعَوّل عليها، ويرى استبداله بها عَمّا هو فيه كاستبداله البَعْر الخسيس بالجوهر النّفيس، وبيعه الذهب بأعقاب الجَزر، وبَيعه المسك بالرّجيع.
ولا ريب أن في النفوس البشرية من هو بهذه المثابة، إنما يصبو إلى ما يناسبه، ويميل إلى ما يشاكله، يَنفِرُ من المطالب العالية واللذات الكاملة، كما ينفر الجُعَلُ من رائحة الورد. وشاهدنا من يُمسك بأنفه عند وجود المسك، ويتكرّه بها لما يناله بها من المضَرّة.
(١) أخرجه البخاري (٢٤٧٥)، ومسلم (٥٧) عن أبي هريرة.