ومما يدلّ على غَلَط أفهام هذه الأمة الغضبية، وقلّة فقههم، وفسادِ رأيهم وعقولهم كما جاء في التوراة:«أنهم شعبٌ عادمو الرأي، وليس فيهم فطانة» أنهم سمعوا في التوراة: «بكور ثمار أرضك تُحمَلُ إلى بيت الله ربِّك، ولا يُنْضَج الجديُ بلبن أمّه».
والمراد من ذلك: أنهم أُمروا عَقِيب افتراض الحج إلى بيت المقدس عليهم أن يستصحبوا معهم إذا حَجُّوا أبكار أغنامهم، وأبكار مُسْتَغلّات أرضهم، لأنه كان فُرض عليهم قبل ذلك أن تبقى سُخولة البقر والغنم وراء أمّها سبعة أيامٍ، وفي اليوم الثامن فصاعدًا يصلُح أن تكون قُرْبانًا، فأشار في هذا النص بقوله:«لا يُنْضَجُ الجديُ بلبن أمّه» إلى أنهم لا يُبَالغون في إطالة مُكثِ باكور أولاد البقر والغنم وراء أمهاتها، بل يَسْتصحبون أبكارهن اللاتي قد عبرن سبعة أيام منذُ ميلادهن معهم، إذا حجوا إلى بيت المقدس، ليتخذوا منها القرابين.
فتوهَّم المشايخ البُلْهُ أن الشرع يريد بالإنضاج: إنضاج الطبيخ في القِدْر، وأنهم نُهوا أن يطبخوا لحم الجدي باللبن.
ولم يَكْفِهم هذا الغلط، حتى حرَّموا أكل سائر اللُّحْمان باللبن، فألغوا لفظ «الجدي»، وألغوا حليب «أمه»، وحمَّلوا النص ما لا يحتمله، وإذا أرادوا أن يأكلوا اللحم واللبن أكلوا كلًّا منهما على حِدة.