فوعدُ أهل الهُدى والعمل الصالح بالنعيم التامّ في الدار الآخرة، وَوَعْدُ أهل الضلال والفجور بالشقاء في الدار الآخرة، مما اتّفقت عليه الرسل من أوّلهم إلى آخرهم، وتضمّنته الكتب، ولكن نذكر هاهنا نُكتةً نافعة (١):
وهى: الإنسان قد يسمع ويرى ما يُصيب كثيرًا من أهل الإيمان في الدنيا من المصائب، وما ينال كثيرًا من الكفار والفجار والظلَمَة في الدُّنيا من الرياسة والمال، وغير ذلك، فيعتقد أن النعيم في الدُّنيا لا يكون إلا للكفار والفجار، وأن المؤمنين حظهم من النّعيم في الدُّنيا قليل، وكذلك قد يعتقد أن العِزّة والنّصرة في الدُّنيا قد تستقرّ للكفار والمنافقين على المؤمنين. فإذا سمع في القرآن قوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: ٨]، وقوله:{وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}[الصافات: ١٧٣]، وقوله:{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}[المجادلة: ٢١]، وقوله:{وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[القصص: ٨٣]، ونحو هذه الآيات، وهو ممن يُصدّق بالقرآن= حَمَلَ ذلك على أن حصوله في الدار الآخرة فقط، وقال: أما الدنيا فإنّا نرى الكفار والمنافقين يغلبون فيها ويظهرون، ويكون لهم النَّصر والظَّفرُ، والقرآن لا يَرِدُ
(١) هذه النكتة من كلام شيخ الإسلام في «قاعدة في المحبة» ضمن جامع الرسائل (٢/ ٣٢٤ وما بعدها).