كالحَرِّ الشديد، والبرد الشديد، والأمراض والهموم والغموم، فهذا أمر لازم للطبيعة والنشأة الإنسانية في هذه الدار، حتى للأطفال والبهائم، لما اقتضته حكمةُ أحكم الحاكمين.
فلو تجرَّد الخيرُ في هذا العالم عن الشرّ، والنفعُ عن الضرّ، واللَّذَّة عن الألم، لكان ذلك عالمًا غير هذا، ونشأة أخرى غير هذه النشأة، وكانت تَفوتُ الحكمة التي مُزج لأجلها بين الخير والشرّ، والألم واللذة، والنافع والضار.
وإنما يكون تخليص هذا من هذا وتمييزه في دارٍ أخرى غير هذه الدار، كما قال تعالى:{لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[الأنفال: ٣٧].
الأصل الثامن: أن ابتلاء المؤمنين بغلبة عَدُوّهم لهم وقهرهم وكَسرهم لهم أحيانًا، فيه حِكَم عظيمةٌ، لا يعلمها على التفصيل إلا الله عز وجل.
فمنها: استخراج عُبوديّتهم وذُلّهم لله، وانكِسارهم له، وافتقارهم إليه، وسؤالهم نصرَهم على أعدائهم، ولو كانوا دائمًا منصورين قاهرين غالبين لبَطِروا وأَشِرُوا، ولو كانوا دائمًا مَقهورين مَغلوبين منصورًا عليهم عدوُّهم لما قامت للدِّين قائمةٌ، ولا كانت للحقّ دولةٌ. فاقتضت حكمة أحكم الحاكمين أن صرّفهم بين غلبتهم تارةً، وكونهم مغلوبين تارةً، فإذا غُلِبوا تضرّعُوا إلى ربهم، وأنابوا إليه، وخضعوا له، وانكسروا له، وتابوا إليه، وإذا غَلَبوا أقامُوا دينه وشعائره، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وجاهدوا عَدُوّه، ونصروا أولياءه.