ولا يقعُ في الظنون تعارض، وإنما يقع في أسبابها وعلاماتها. فإذا تعارضت أسبابُ الظنون: فإن حصل الشكّ لم يُحكم بشيء، وإن وُجد الظن في أحد الطرفين حُكم به، والحكم للراجح؛ لأن مرجوحيّة مقابله تدُلّ على ضعفه.
فإذا تعارض سَبَبَا ظنٍّ وكان كل منهما مكذبًا للآخر تساقطا، كتعارُض البيّنتين والأمارتين. وإن لم يكن كلّ واحد منهما مكذبًا للآخر عُمل بهما على حسب الإمكان، كدابةٍ عليها راكبان، وعبدٍ مُمْسِكٍ بيديه اثنان، ودارٍ فيها ساكنان، وخَشَبةٍ لها حاملان، وجِدار متصل بملْكَين، ونظائر هذا.
فإن كان أحدُهما أرجح من الآخر عُمِل بالراجح، كالشاهد مع البراءة الأصلية ومع اليد، يُقدّم عليهما لرجحانه.
ولما كانت اليدُ لها مراتبُ في القوة والضعف، وكان اللّابس لثيابه، وعمامته، وخُفّه، ومِنْطَقته، ونعله، أقوى من يَدِ الجالس على البساط، والراكب على الدّابّة، ويدُ الراكب أقوى من يد السائق والقائد، ويدُ الساكن للدار أضعَفَ من تلك الأيدي، ويدُ مَنْ هو داخل الحمام والخانِ أضعف من هذا كله، قُدّم أقوى الأيدي على أضعفها.
فلو كان في الدار اثنان، وتنازعا فيها، وفى لباسهما الذي عليهما، جُعلت الدار بينهما؛ لاستوائهما في اليد، وكان القولُ قولَ كل منهما في لباسه المختص به؛ لقوة يده بالقُرْب والاتصال.
ولو تنازع الراكب والسائق والقائد قدّمت يد الراكب، وكذلك قال الجمهور.