وهذا يدلّ على أن موسى عليه السلام لم يُعْط بني إسرائيل من التوراة إلا هذه السورة، فأما بقيَّتها فدفعها إلى أولاد هارون، وجعلها فيهم، وصانها عن سواهم.
وهؤلاء الأئمة الهارونيُّون الذين كانوا يعرفون التوراة، ويحفظون أكثرها، قتلهم بُخْتنصّر على دم واحد يوم [١٧٦ أ] فتح بيت المقدس، ولم يكن حفظُ التوراة فرضًا عليهم ولا سُنَّةً، بل كان كلّ واحدٍ من الهارونيين يحفظ فَصْلاً من التوراة.
فلما رأى عُزَيرٌ (١) أن القوم قد أُحرق هيكلهم، وزالت دولتهم، وتفرّق جمعهم، ورُفع كتابهم، جمع من محفوظاته ومن الفصول التي يحفظها الكَهَنة ما اجتمعت منه هذه التوراة التي بأيديهم، ولذلك بالغوا في تعظيم عُزَيرٍ هذا غاية المبالغة.
فزعموا أن النور الآن يظهر على قبره، وهو عند بطائح العراق، لأنه جمع لهم ما يحفظ دينهم.
وغلا بعضهم فيه، حتى قال: هو ابن الله، ولذلك نسب الله تعالى ذلك إلى اليهود، إلى جنسهم لا إلى كلّ واحدٍ منهم.
فهذه التوراة التي بأيديهم في الحقيقة كتاب عُزَيرٍ، وفيها كثيرٌ من التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى عليه الصلاة والسلام، ثم تداولتها أمّة قد مزّقها الله تعالى كلّ مُمزّق، وشَتّتَ شملها، فلحقها ثلاثة أمور:
أحدها: بعض الزيادة والنقصان.
(١) كذا في م. وفي باقي النسخ: «عزرا». وكلاهما صواب.