للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو جاز هذا لجاز في {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: ٤٧]: ما أحدٌ عنه من حاجزين، فلو لم تدخل (من) لصحّتْ هذه القراءة.

قال صاحب «النظم» (١): العِلّةُ في سقوط هذه القراءة: أن (مِنْ) لا تدخل إلا على مفعول لا مفعول دونه، فإذا كان قبل المفعول مفعولٌ سواه لم يحسن دخول (مِنْ) كقوله: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ} [مريم: ٣٥]، فقوله: {مِنْ وَلَدٍ} لا مفعول دونه سواه، ولو قال: ما كان لله أن يتخذ أحدًا من ولدٍ لم يحسُنْ فيه دخول (مِنْ)، لأن فعلَ الاتخاذ مشغولٌ بـ: (أحَدٍ).

وصحَّح آخرون هذه القراءة لفظًا ومعنًى، وأجروْها على قواعد العربية. قالوا: وقد قرأ بها مَنْ لا يُرتاب في فصاحته، فقرأ بها زيدُ بن ثابت، وأبو الدرداء، وأبو جعفر، ومُجاهد، ونصر بن عَلقمة، ومكحول، وزيد بن علي، وأبو رجاء، والحسن، وحَفْص بن حُميد، ومحمد بن علي، على خلافٍ عن بعض هؤلاء، ذكر ذلك أبو الفتح بن جني (٢)، ثم وَجّهها بأن يكون {مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} في موضع الحال، أي: ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء، ودخلت (مِنْ) زائدةً لمكان النفي، كقولك: اتخذت زيدًا وكيلًا، فإذا نَفَيْتَ قلت: ما اتخذتُ زيدًا من وكيل، وكذلك أعطيته درهمًا، وما أعطيته من درهم، وهكذا في المفعول فيه.

قلت: يعني أن زيادتها مع الحال كزيادتها مع المفعول.


(١) المقصود به حسن بن يحيى الجرجاني صاحب كتاب «نظم القرآن». وقد نقل عنه المؤلف آنفًا بواسطة البسيط.
(٢) في المحتسب (٢/ ١١٩).