دونه؛ ليس لهم أعين يبصرون بها، ولا آذان يسمعون بها، فالله سميع عليم، وآلهتهم لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم، فكيف يُسَوُّونها به في العبادة. فعلمتَ أنه لا يليق بهذا السياق غير التنكير، كما لا يليق بذلك غير التعريف. والله أعلم بأسرار كلامه.
ولمّا كان المستعاذ منه في سورة {حم} المؤمن هو شرّ (١) مجادلة الكفار في آياته، وما ترتَّب عليها من أفعالهم المرئية بالبصر، قال:{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[غافر: ٥٦]؛ فإنه لما كان المستعاذ منه كلامهم وأفعالهم المشاهدة عيانا قال:{إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، وهناك المستعاذ منه غير مشاهد لنا؛ فإنه يرانا هو وقَبيلُه من حيث لا نراه، بل هو معلوم بالإيمان وإخبار الله ورسوله.
فصل
فالقرآن أرشد إلى دفع [٣٠ أ] هذين العدوّين بأسهل الطرق: بالاستعاذة، والإعراض عن الجاهلين، ودفع إساءتهم بالإحسان، وأخبر عن عِظم حظِّ من لقّاه ذلك؛ فإنه ينال بذلك كفّ شر عدوه وانقلابه صديقًا، ومحبة الناس له، وثناءهم عليه، وقهر هواه، وسلامة قلبه من الغِلّ والحقد، وطمأنينة الناس حتى عدوه إليه، هذا غير ما يناله من كرامة الله، وحسن ثوابه ورضاه عنه، وهذا غاية الحظ عاجلًا وآجلًا. ولما كان ذلك لا يُنال إلا بالصبر قال:{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا}[فصلت: ٣٥]؛ فإن النَّزِق الطائش لا يصبر عن المقابلة.