للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذه عباراتُ من ذَهب إلى أنها من اللَّوْم.

وأما من جعلها من التلوُّم فلكثرة ترددها وتلوُّمها، وأنها لا تستقر على حال واحدة.

والأول أظهر؛ فإن هذا المعنى لو أُريد لقيل: المتلوِّمة، كما يقال: المتلونة والمترددة، ولكن هو من لوازم القول الأول؛ فإنها لتلُّومِها وعدم ثباتها تفعل الشيء ثم تلوم عليه، فالتلوّم من لوازم اللوم.

والنفس قد تكون تارة أمّارةً، وتارة لوامةً، وتارة مطمئنةً، بل في اليوم الواحد والساعة الواحدة يحصل فيها (١) هذا وهذا وهذا، والحكم للغالب عليها من أحوالها، فكونها مطمئنةً وصفُ مدحٍ لها، وكونها أمّارةً بالسوء وصفُ ذمٍّ لها، وكونها لوامةً ينقسم إلى المدح والذم، بحسب ما تلوم عليه.

والمقصود ذكر علاج مرض القلب باستيلاء النفس الأمارة عليه، وله علاجان: محاسبتها، ومخالفتها.

وهلاك القلب من إهمال محاسبتها، ومن موافقتها واتباع هواها، وفي الحديث الذي رواه أحمد وغيره من حديث شدّاد بن أوس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الكَيّس من دان نفسَه، وعمِلَ لما بعد الموت، والعاجز من أتبعَ نفسَه هواها، وتمنّى على الله» (٢)، دان نفسه أي: حاسبها.


(١) ح: «منها».
(٢) مسند أحمد (٤/ ١٢٤)، ورواه أيضًا ابن المبارك في الزهد (١٧١)، والطيالسي (١١٢٢)، والترمذي (٢٤٥٩)، وابن ماجه (٤٢٦٠)، وابن أبي الدنيا في محاسبة النفس (١)، والبزار (٣٤٨٩)، والطبراني في الكبير (٧/ ٢٨١، ٢٤٨)، وابن عدي في الكامل (٢/ ٣٩)، وأبو نعيم في الحلية (١/ ٢٦٧، ٨/ ١٧٤)، وغيرهم، قال الترمذي: «هذا حديث حسن»، وصححه الحاكم (١٩١، ٧٦٣٩)، وتعقبه الذهبي بقوله: «لا والله، أبو بكر بن أبي مريم واه»، وهو في السلسلة الضعيفة (٥٣١٩).