كلُّ عضو من أعضاء البدن خُلق لفعل خاص به، كماله في حصول ذلك الفعل منه، ومرضه أن يتعذر عليه الفعل الذي خُلق له، حتى لا يصدر منه، أو يصدر مع نوع من الاضطراب. فمرض اليد: أن يتعذر عليها البطش، ومرض العين: أن يتعذر عليها النظر والرؤية، ومرض اللسان: أن يتعذر عليه النطق، ومرض البدن: أن يتعذر عليه حركته الطبيعية أو يضعف، ومرض القلب: أن يتعذر عليه ما خُلق له من المعرفة بالله، ومحبته، والشوق إلى لقائه، والإنابة إليه، وإيثار ذلك على كل شهوة.
فلو عرف العبد كل شيء ولم يعرف ربه فكأنه لم يعرف شيئًا، ولو نال كلَّ حظ من حظوظ الدنيا ولذّاتها وشهواتها، ولم يظفر بمحبة الله والشوق إليه والأنس به، فكأنه لم يظفر بلذة ولا نعيم ولا قرة عين، بل إذا كان القلب خاليًا من ذلك عادت تلك الحظوظ واللذات عذابًا له ولا بدَّ، فيصير مُعذَّبًا بنفس ما كان مُنعَّمًا به من جهتين: من جهة حسرة فَوْته، وأنه حِيلَ بينه وبينه، مع شدة تعلُّق روحه به، ومن جهة فَوْت ما هو خير له وأنفع وأدوم حيث لم يحصل له، فالمحبوب الحاصل فات، والمحبوب الأعظم لم يظفر به. وكل من عرف الله أحبَّه وأخلص العبادة له ولا بدَّ، ولم يُؤثِر عليه شيئًا من المحبوبات فمن آثر عليه شيئًا من المحبوبات؛ فقلبه مريض، كما أن المعدة إذا اعتادت أكل الخبيث، وآثرته على الطيب سقطت عنها شهوة الطيِّب، وتعوَّضت بمحبة غيره.