الأمر إلى مشيئة الله وحده، وأنه هو الذي يُخاف ويُرجَى، فقال:{إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا}، وهذا استثناء منقطع، والمعنى: لا أخاف آلهتكم، فإنها لا مشيئة لها ولا قدرة، لكن إن شاء ربي شيئًا نالني وأصابني، لا آلهتُكم التي لا تشاء ولا تعلم شيئًا، وربي له المشيئة النافذة، وقد وَسع كل شيءٍ علمًا، فمن أولى بأن يُخاف ويعبد؟ هو سبحانه أم هي؟
ثم قال:{أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ}[الأنعام: ٨٠]، فتعلمون بطلان ما أنتم عليه من إشراك مَنْ لا مشيئة له ولا يعلم شيئًا، ممن له المشيئة التامة والعلم التامُّ؟
وهذا من أحسن قَلْبِ الحجة، وجعل حجة المبطل بعينها دالَّةً على فساد قوله، وبطلان مذهبه، فإنهم خوفوه بآلهتهم التي لم يُنزل الله عليهم سلطانًا بعبادتها، وقد تبيّن بطلانُ إلهيتها ومضرّة عبادتها، ومع هذا فلا تخافون شرككم بالله وعبادتكم معه آلهةً أخرى؟
فأيّ الفريقين أحق بالأمن وأولى بأن لا يلحقه الخوف؟ فريق الموحدين أم فريق المشركين؟
فَحَكَم الله سبحانه بين الفريقين بالحُكْم العدل، الذي لا حكم أصحّ منه، فقال:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} أي: بشرك {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[الأنعام: ٨٢].