مِنْ دُبُرٍ [١٠٤ أ] قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف: ٢٦ ــ ٢٨]، وسمّى الله سبحانه ذلك آيةً، وهي أبلغُ من البينة، فقال:{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ}[يوسف: ٣٥]، وحكى الله سبحانه ذلك مُقررًا له غير منكر، وذلك يدل على رضاه به.
ومن هذا: حكمُ نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام بالولد الذي تنازع فيه المرأتان، فقضى به داود للكبرى، فخرجتا على سليمان، فقَصّتا عليه القصة، فقال سليمان عليه السلام: ائْتُونِي بالسّكين أشقَّه بينكما، فقالت الصغرى: لا تفعل يا نبي الله، هو ابنُها، فقضى به للصغرى (١)، ولم يكن سليمان ليفعل، ولكن أوهمهما ذلك، فطابت نفسُ الكبرى بذلك؛ استرواحًا منها إلى راحة التأسّي والتسلّي بذهاب ابن الأخرى كما ذهب ابنها، ولم يَطِبْ قلب الصغرى بذلك، بل أدركتها شَفَقَةُ الأم ورحمتها، فناشدَتْه أن لا يفعل؛ استرواحًا إلى بقاء الولد، ومشاهدته حيًّا، وإن اتصل إلى الأخرى.
وتأمّلْ حكم سليمان به للصغرى وقد أقرّت به للكُبرى تَجِدْ تحته: أن الإقرار إذا ظهرت أماراتُ كذبه وبطلانه لم يُلتفَتْ إليه، ولم يحكم به على المقرّ، وكان وجودُه كعدمه. وهذا هو الحق الذي لا يجوز الحكم بغيره.
وكذلك إذا غلط المقرّ، أو أخطأ، أو نسي، أو أقرّ بما لا يعرف مضمونه، لم يُؤاخذ بذلك الإقرار، ولم يحكم به عليه، كما لو أقرّ مكرهًا.
والله تعالى رَفع المؤاخذة بلَغْوِ اليمين؛ لكون الحالف لم يقصد موجَبها، وأخبر أنه إنما يؤاخذ بكسب القلب، والغالط والمخطئُ والناسي