للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[١٦١ ب] وقد فطر الله سبحانه عباده على استقباح معاملة عبيد الملك وخدمه بالتعظيم، والإجلال، والخضوع، والذل الذي يُعامل به الملك، فكيف حالُ مَنْ فعل ذلك بأعداء الملك؟

فإن الشيطان عدوّ الله، والمشرك إنما يشرك به، لا بِوَليِّ الله ورسوله، بل رسول الله وأولياؤه بريئون ممن أشرك بهم، مُعَادُون لهم، أشدّ الناس مقتًا لهم، فهم في نفس الأمر إنما أشركوا بأعداء الله، وسوَّوا بينهم وبين الله في العبادة والتعظيم، والسجود، والذل.

ولهذا كان بُطلانُ الشرك وقبحه معلومًا بالفطرة السليمة والعقول الصحيحة، والعلم بقبحه أظهر من العلم بقبح سائر القبائح.

والمقصود ذكر تلاعب الشيطان بهذه الأمة في أصول دينهم وفروعه كتلاعبه بهم في صيامهم فإن أكثر صومهم لا أصل له في شرع المسيح، بل هو مختلق مبتدع.

فمن ذلك: أنهم زادوا جمعة في بَدْء الصوم الكبير، يصومونها لهِرقل ملك بيت المقدس.

وذلك أن الفُرس لمَّا ملكوا بيت المقدس، وقتلوا النصارى، وهدموا الكنائس، أعانهم اليهود على ذلك، وكانوا أكثر قتلًا وفتكًا في النصارى من الفُرس، فلما سار هرقل إليه استقبله اليهود بالهدايا، وسألوه أن يكتب لهم عهدًا، ففعل، فلما دخل بيت المقدس شكا إليه مَنْ فيه من النصارى ما كان اليهود صنعوه بهم، فقال لهم هرقل: وما تريدون مني؟ قالوا: تقتلهم، قال: كيف أقتلهم، وقد كتبت لهم عهدًا بالأمان؟ وأنتم تعلمون ما يجب على ناقض العهد، فقالوا له: إنك حين أعطيتهم الأمان لم تَدْرِ ما فعلوا مِنْ قَتْل