للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمعشوقه من الصور كما هو مشاهد، فيصير المعشوق هو إلهه من دون الله، يُقدِّم رضاه وحبَّه على رضا الله وحبه، ويتقرب إليه ما لا يتقرب إلى الله، ويُنفِق في مرضاته ما لا ينفقه في مرضاة الله، ويتجنّب من (١) سَخَطه ما لا يتجنب من سخط الله، فيصير آثرَ عنده من ربِّه: حُبًّا، وخضوعًا، وذلًّا، وسمعًا، وطاعة.

ولهذا كان العشق والشرك متلازمين، وإنما حكى الله سبحانه العشق عن المشركين من قوم لوط، وعن امرأة العزيز، وكانت إذ [٢٠ أ] ذاك مشركة، فكلما قوي شرك العبد بُليَ بعشق الصور، وكلما قوي توحيده صُرِف ذلك عنه، والزنى واللواط كمال لذّته إنما يكون مع العشق، ولا يخلو صاحبهما منه، وإنما ــ لتنقُّله من محل إلى محل ــ لا يبقى عشقه مقصورًا على محل واحد، بل ينقسم على سِهام (٢) كثيرة، لكل محبوبٍ نصيبٌ من تألُّهِه وتعبُّدِه.

فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين، ولهما خاصية في تبعيد القلب من الله؛ فإنهما من أعظم الخبائث، فإذا انصبغ القلب بهما بعُد ممن هو طيب لا يصعد إليه إلا طيب (٣)، وكلما ازداد خبثًا ازداد من الله بعدًا، ولهذا قال المسيح فيما رواه الإمام أحمد في كتاب «الزهد» (٤): «لا


(١) «من» ساقطة من الأصل، م، ت. وفي ظ: «بسخطه».
(٢) ش: «جهات».
(٣) كما في الحديث الذي أخرجه مسلم (١٠١٥) عن أبي هريرة.
(٤) لم أقف عليه في المطبوع من الزهد، ولم أقف عليه في غيره من كلام عيسى عليه السلام، ورواه أبو خيثمة في كتاب العلم (١٢٧) وأبو نعيم في الحلية (٤/ ٣٠) من كلام وهب بن منبه رحمه الله، ومن طريق أبي خيثمة رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (٦٣/ ٣٩١).