وثانيها: أنهم كادوه، حيثُ باعوه بيعَ العبيد، وقالوا: إنه غلام لنا أبَقَ.
وثالثها: كيد امرأة العزيز له بتغليق الأبواب، ودعائه إلى نفسها.
ورابعها: كيدها له بقولها: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[يوسف: ٢٥]، فكادته بالمراودة أولًا، وكادته بالكذب عليه ثانيًا، ولهذا قال لها الشاهد لما تبيَّن له براءة يوسف عليه السلام:{إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}[يوسف: ٢٨].
وخامسها: كيدها له حيث جمعت له النسوة، وأخرجته عليهنّ، تستعين بهنّ عليه، وتستعذر إليهنّ من شغفها به.
وسادسها: كيد النسوة له، حتى استجار بالله تعالى من كَيْدِهِنّ، فقال: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف: ٣٣، ٣٤]، ولهذا لما جاءه الرسول بالخروج من السجن قال له:{ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}[يوسف: ٥٠].
فإن قيل: فما كان مكر النسوة اللاتي مَكَرْن به، وسمعت به امرأة العزيز؟ فإن الله سبحانه لم يقصَّه في كتابه.
قيل: بل قد أشار إليه بقوله: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[يوسف: ٣٠]، وهذا الكلام متضمن لوجوه من المكر:
أحدها: قولهنّ: {امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ}، ولم يسمُّوها