للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: ٦٧]، وقوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: ٣١].

فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه، وخير الناس النّمَط الأوسط، الذين ارتفعوا عن تقصير المفرِّطين، ولم يلحقوا بغُلُوّ المعتدين، وقد جعل الله سبحانه هذه الأمة وَسَطًا، وهى الخيار العدل، لتوسطها بين الطرفين المذمومين، والعدلُ هو الوسط بين طرفي الجَوْرِ والتفريط، والآفاتُ إنما تتطرّق إلى الأطراف، والأوساط مَحْميَّة بأطرافها، فخيار الأمور أوساطها. قال الشاعر:

كانَتْ هِيَ الوَسَط المَحْمِيَّ فَاكْتَنَفَتْ ... بِهَا الحَوَادِثُ حَتَّى أَصْبَحَتْ طَرَفَا (١)

فصل

ومن أعظم مكايده التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا من لم يُرد الله فتنته: ما أوحاه قديمًا وحديثًا إلى حزبه وأوليائه من الفتنة بالقبور، حتى آل الأمر فيها إلى أن عبد أربابُها من دون الله، وعُبِدتْ قبورهم، واتُّخِذت أوثانًا، وبُنيت عليها الهياكل، وصُوّرت صورُ أربابها فيها، ثم جعلت تلك الصور أجسادًا لها ظلٌّ، ثم جُعلت أصنامًا، وعُبدت مع الله.

وكان أول هذا الداء العظيم في قوم نوح، كما أخبر سبحانه عنهم في كتابه، حيث يقول: {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (٢١) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (٢٢) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا


(١) كذا ورد البيت في كتاب «الصلاة» للمؤلف (ص ٣٩٦). وهو لأبي تمام في ديوانه (٢/ ٣٧٤) مع اختلاف في الرواية.