فعندهم: أن الطلاق لا يقبل التعليق، كالنكاح، ولم يَرُدّ مخالفو هؤلاء عليهم بحجة تَشْفِي.
الطريق الثانية: طريق من يقول: لا يقع الطلاق المحلوف به، ولا العتق المحلوف به، ويلزمه كفارة اليمين إذا حنث، وهذا مذهب ابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة، وزينب بنت أم سلمة، وحفصة، رضي الله عنهم أجمعين، في الحلف بالعتق الذي هو قُرْبةٌ إلى الله تعالى، بل مِنْ أحَبّ القُرب إلى الله، ويَسْري في ملك الغير، فما يقول هؤلاء في الحلف بالطلاق الذي هو أبغضُ الحلال إلى الله تعالى، وأحب الأشياء إلى الشيطان؟
والسائل لهؤلاء الصحابة إنما كان امرأةً، حلفت بأن كل مملوك لها حُرّ إن لم تُفَرّق بين عبدها وبين امرأته، فقالوا لها: كفِّري عن يمينك، وخَلِّي بين الرجل وبين امرأته (١).
وهؤلاء الصحابةُ أفقهُ في دين الله، وأعلم من أن يُفْتوا بالكفارة في الحلف بالعتق ويرونه يمينًا، ولا يرون الحلفَ بالطلاق يمينًا، ويُلزِمون
(١) هذه المرأة هي ليلى بنت العجماء، ومولاها الذي أرادت أن تفرّق بينه وبين امرأته هو أبو رافع، وقد روى عبد الرزاق (٨/ ٤٨٦، ٤٨٧) والأثرم ــ كما في فتاوى ابن تيمية (٣٣/ ١٨٨، ٣٥/ ٢٥٥، ٣٣٨) ــ جوابَ ابن عمر وحفصة وزينبَ بنت أم سلمة عن مسألتها، وروى البيهقي في الكبرى (١٠/ ٦٦) جوابَهم وجوابَ ابن عباس وأم سلمة وعائشة، وروى الدارقطني (٤/ ١٦٣، ١٦٤) جوابهم جميعًا إلّا زينب، واستنكر ابن عبد البر في الاستذكار (٥/ ٢١١) الرواية التي فيها سؤالُها أمَّ سلمة وقال: «إنما هي زينب بنت أمّ سلمة»، ولم أقف على سؤالها أبا هريرة إلا ما ذكره ابن عبد البر في الاستذكار (٥/ ١٨٢) وعزاه لعبد الرزاق. وقصّة ليلى هذه صحَّحها ابن حزم في المحلى (٨/ ٨)، وابن القيم في إعلام الموقعين (٣/ ٥٥).