فمن خُلق للعمل في الدّباغة لا يجيء منه العمل في صناعة الطِّيب، ولا يليق به، ولا يتأتَّى منه، والنفس لا تترك محبوبًا إلا لمحبوب هو أحبّ إليها منه، أو للخوف من مكروهٍ هو أشقّ عليها من فوات ذلك المحبوب.
فالذنب يُعدم لعدم المقتضي له تارة، لاشتغال القلب بما هو أحبّ إليه منه، ولوجود المانع تارة، من خوف فوات محبوبٍ هو أحب إليه منه:
فالأول: حالُ من حَصَلَ له من ذوق حلاوة الإيمان وحقائقه والتنعم به ما عوّض قلبه عن مَيْله إلى الذنوب.
والثاني: حالُ من عنده داعٍ وإرادةٌ لها، وعنده إيمان وتصديق بوعد الله تعالى ووعيده، فهو يخاف إن واقعها أن يقع فيما هو أكره إليه، وأشقّ عليه.
فالأول للنفوس المطمئنة إلى ربها، والثاني لأهل (١) الجهاد والصبر. وهاتان النفسان هما المخصوصتان بالسعادة والفلاح.
قال الله تعالى في النفس الأولى: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: ٢٧ ـ ٣٠].
فالنفوس ثلاثة: نفس مطمئنة إلى ربِّها، وهى أشرف النفوس وأزكاها، ونفسٌ مجاهدة صابرة، ونفس مفتونة بالشهوات والهوى، وهى النفس الشقيّة، التي حَظُّها الألم والعذاب، والبعد عن الله تعالى والحجاب.