فإن كان الأول لزم أن يكون ما حرَّمته التوراة محرَّمًا على جميع الأنبياء في كل زمان ومكان، من عهد نوح إلى خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وإن كان الثاني ثبت أن التحريم والإباحة تابعان للمصالح، وإنما يختلفان باختلاف الزمان والمكان والحال، فيكون الشيء الواحد حرامًا في مِلّة دون ملة، وفي وقت دون وقت، وفي مكان دون مكان، وفي حال دون حال، وهذا معلومٌ بالاضطرار من الشرائع، ولا يليق بحكمة أحكم الحاكمين غيرُ ذلك.
ألا ترى أن تحريم السبت لو كان لعينه لكان حرامًا على إبراهيم، ونوح، وسائر النبيين؟
وكذلك ما حرَّمته التوراة من المطاعم والمناكح وغيرها، لو كان حرامًا لعينه وذاته لوجب تحريمه على كل نبيٍّ، وفي كل شريعة.
وإذا كان الرب تعالى لا حَجْر عليه، بل يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويبتلي عباده بما يشاء، ويَحكُم ولا يُحكَم عليه، فما الذي يُحِيلُ عليه ويمنعه أن يأمر أمّة بأمرٍ من أوامر الشريعة، ثم ينهَى أُمّة أخرى عنه، أو يُحرّم محرّمًا على أُمَّة، ويُبيحَهُ لأُمَّة أخرى؟
بل أيّ شيء يمنعه سبحانه أن يفعل ذلك في الشريعة الواحدة في وقتين مختلفين، بحسب المصلحة؟