للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فجرَّد السلفُ العبادة لله، ولم يفعلوا عند القبور منها إلا ما أَذِن فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السلام على أصحابها، والاستغفار لهم، والترحّم عليهم.

وبالجملة فالميت قد انقطع عمله، فهو محتاج إلى من يدعو له ويشفع له، ولهذا شُرع في الصلاة عليه من الدعاء له وجوبًا واستحبابًا ما لم يشرع مثله في الدعاء للحي.

قال عوف بن مالك: صلّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جنازة، فحفظتُ من دعائه وهو يقول: «اللهم اغفر له وارحمه، وعافِه واعفُ عنه، وأكرِمْ نُزُله، ووسّع مُدْخَله، واغسله بالماء والثلج والبَرَد، ونَقّه من الخطايا كما نقّيت الثوب الأبيض من الدّنَس، وأبْدِلْه دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعِذْه من عذاب القبر ــ أو من عذاب النارـ»؛ حتى تمنيتُ أن أكون أنا الميت، لدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك الميت. رواه مسلم (١).

وقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في صلاته على الجنازة: «اللهم أنت ربّها، وأنت خلقتها، وأنت هديتَها للإسلام، وأنت قبضت روحها، وأنت أعلم بِسرها وعلانيتها، جئنا شُفعاء؛ فاغفر له». رواه الإمام أحمد (٢).


(١) برقم (٩٦٣).
(٢) مسند أحمد (٢/ ٢٥٦، ٣٤٥، ٣٦٣، ٤٥٨)، ورواه أيضا ابن أبي شيبة (٢/ ٤٨٨، ٦/ ٩٨)، وابن راهويه (٢٨٧، ٤٦٣)، وعبد بن حميد (١٤٥٠)، وأبو داود (٣٢٠٢)، والنسائي في الكبرى (١٠٩١٥، ١٠٩١٦، ١٠٩١٧)، والطبراني في الدعاء (١١٧٩، ١١٨٠، ١١٨١، ١١٨٣، ١١٨٤، ١١٨٥، ١١٨٦) وفي غيره، والبيهقي في الكبرى (٤/ ٤٢)، وغيرهم، وصححه النووي في الخلاصة (٢/ ٩٧٩)، وحسنه ابن حجر كما في الفتوحات الربانية (٤/ ١٧٦)، مع أنّ في سنده اختلافًا كثيرًا، ورواه الطبري في تهذيب الآثار (٢٩٢ ــ الجزء المفقود ـ) والفسوي في المعرفة (٣/ ٢٠٢) عن أبي هريرة موقوفًا. وفي الباب عن أنس وعلي وعن رجل من مزينة.