والمقصود أن الفلاسفة اسم جنسٍ لمن يُحِبُّ الحكمة ويُؤْثِرُها.
وقد صار هذا الاسم في عُرف كثير من الناس مختصًّا بمن خَرج عن ديانات الأنبياء، ولم يذهب إلا إلى ما يقتضيه العقل في زعمه.
وأخصّ من ذلك: أنه في عُرف المتأخرين اسمٌ لأتباع أرسطو، وهم المشّاءون خاصّة، وهم الذين هذّب ابنُ سينا طريقتهم، وبسَّطها، وقَرّرها، وهي التي يعرفها بل لا يعرف سواها المتأخرون من المتكلمين. وهؤلاء فرقةٌ شاذّة من فرق الفلاسفة، ومقالتهم واحدةٌ من مقالات القوم، حتى قيل: إنه ليس فيهم من يقول بقدم الأفلاك غير أرسطو وشيعته، فهو أول من عُرف أنه قال بقدم هذا العالم.
والأساطين قبله كانوا يقولون بحدوثه، وإثبات الصانع، ومُباينته للعالم، وأنه فوق العالم، وفوق السَّماوات بذاته، كما حكاه عنهم أعلم الناس في زمنه بمقالاتهم: أبو الوليد بن رُشد في كتابه «مناهج الأدلة»(١)، فقال فيه:
«القولُ في الجهة:
وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يُثبتونها لله سبحانه، حتى نفتها المعتزلة، ثم تبعهم على نفيها متأخرو الأشعرية كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله»، إلى أن قال:
«والشرائع كلها مبنيَّةٌ على أن الله سبحانه في السماء، وأن منه تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين، وأن من السَّماوات نزلت الكتب، وإليها كان الإسراء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى قَرُبَ من سدرَة المُنتهى، وجميع الحكماء اتفقوا