للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان [٣٤ أ] عبد الله بن عباس يقرؤها «مَلِكَيْنِ» بكسر اللام (١)، ويقول: «لم يطمعا أن يكونا من الملائكة، ولكن استشرفا أن يكونا ملِكين، فأتاهما من جهة المُلْك» (٢).

ويدل على هذه القراءة قوله في الآية الأُخرى: {قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى}.

وأما على القراءة المشهورة فيقال: كيف أطمع عدوُّ الله آدم أن يكون بأكله من الشجرة من الملائكة، وهو يرى الملائكة لا تأكل ولا تشرب، وكان آدم أعلم بالله وبنفسه وبالملائكة من أن يطمع أن يكون منهم بأكله، ولاسيّما مما نهاه الله عنه؟

فالجواب: أن آدم وحواء لم يطمعا في ذلك أصلاً، وإنما كذبهما عدو الله، وغرّهما، وخدعهما؛ بأن سمّى تلك الشجرة شجرة الخلد، فهذا أول المكر والكيد، ومنه وَرِثَ أتباعه تسمية الأمور المحرمة بالأسماء التي تحبُّ النفوسُ مسمَّياتها، فسمَّوا الخمر أمَّ الأفراح، وسمَّوا أخاها بلُقَيْمة الراحة، وسمَّوا الربا بالمعاملة، وسمَّوا المُكُوسَ بالحقوق السلطانية، وسمَّوا أقبح الظلم وأفحشه شرع الديوان، وسمَّوا أبلغ الكفر ــ وهو جحد صفات الرب ــ تنزيهًا، وسمَّوا مجالس الفسوق مجالس الطَّيبة! فلما سمَّاها شجرة الخلد قال: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تأكلا منها فتخلدا في


(١) رواه ابن جرير في تفسيره (١٢/ ٣٤٨) من طريق عيسى الأعمى عن السدّي عنه.
(٢) نقله الواحدي عن ابن عباس، انظر: تفسير الرازي (١٤/ ٤٠)، وتفسير القرطبي (٧/ ١٧٩).