المأمور باطنًا وظاهرًا، وتركِ المحظور باطنًا وظاهرًا، وهذا مِنْ جَهله بالدِّين الحق وما لله عليه وما هو المراد منه، فهو جاهلٌ بحق الله عليه، جاهلٌ بما معه من الدِّين، قَدْرًا ونوعًا وصفةً.
وإذا اعتقد أن صاحب الحق لا ينصُره الله تعالى في الدنيا والآخرة، بل قد تكون العاقبة في الدنيا للكفار والمنافقين على المؤمنين، وللفجّار الظالمين على الأبرار المتقين، فهذا من جَهله بوَعْد الله تعالى ووَعِيده.
فأما المقام الأول: فإن العبدَ كثيرًا ما يتركُ واجباتٍ لا يعلمُ بها ولا بوجوبها، فيكون مقصّرًا في العلم، وكثيرًا ما يتركُها بعد العلم بها وبوجوبها، إما كسَلًا وتهاونًا، وإما لنوع تأويل باطل، أو تقليد، أو لظنّه أنه مشتغلٌ بما هو أوجبُ منها، أو لغير ذلك.
فواجبات القلوب أشدّ وجوبًا من واجبات الأبدانِ وآكدُ منها، وكأنها ليست من واجبات الدِّين عند كثير من الناس، بل هي من باب الفضائل والمستحبات.
فتراهُ يتحرّجُ من ترْكِ واجب (١) من واجبات البدن، وقد ترك ما هو أهمّ واجبات القلوب وأفْرَضها، ويتحرّجُ من فعل أدنى المحرمات، وقد ارتكب من محرمات القلوب ما هو أشد تحريمًا وأعظم إثمًا.
بل ما أكثر مَنْ يتعبدُ لله عز وجل بترك ما أوْجَبَ عليه، فيتخلّى وينقطع عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع قُدرته عليه، ويزعم أنه مُتقرّبٌ إلى الله تعالى بذلك، مجتمعٌ على رَبّه، تاركٌ ما لا يَعْنيه! فهذا من أمْقت